نصائح لكتابة رواية مشوقة – الجزء الرابع
لا تتوقف! نعم، لديك وظيفة تأخذ كل وقتك ومجهودك، نعم أنت مسئول عن أسرة كبيرة. الكُتاب العظام كانوا مثلك تماماً لكنهم لم يتوقفوا، هذا هو الفرق.
الشاعر (والاس ستيفنس) كان نائباً لرئيس شركة تأمينات، وخبيراً بسوق الأسهم. الأديب الكبير (إليوت) كان صرافاً، ويليام كارلوس كان طبيب أطفال، روبيرت فورست كان صاحب مزارع طيور، هارت كرين صانع حلوة، ستيفن كران كان مراسل حربي، مريان موور كان يعمل في مكتبة، جيمس ديكي كان موظفاً في شركة دعاية، ماكليش كان مدير لمكتب “الحقائق والأرقام” أثناء الحرب الثانية.
الشاعر محمود سامي البارودي كان ضابط في الجيش، الأديب الكبير نجيب محفوظ كان موظفاً بوزارة الأوقاف، توفيق الحكيم كان محامياً، الروائي الكبير حنا مينا كان حلاقاً، أحلام مستغانمي كانت تعمل منذ صغرها لتعيل أخوتها وأبيها المريض، غازي القصيبي كان مستشاراً قانونياً وعلاء الأسواني طبيب أسنان.
كيف تكتب رواية مشوقة؟
اليوم 40
يقول ريك باس:
كُتاب الرواية مثل البنائين يحتجون إلى قوة ودقة لكي يشيدوا قصة جيدة. فأنت كبناء يجب عليك أن تضع حجر فوق حجر بشكل متناسق لكن يجب عليك في نفس الوقت أن تملك من القوة ما يمكنك من رفع ذاك الأحجار”
اقرأ أيضاً:
- كيف تؤلف رواية؟ السرّ الذي يجعلك تنتهى من روايتك في 60 يومًا فقط
- فيلم City Lights: مرثية الحب والورد والدموع!
- قواعد وأصول الكتابة الساخرة، كيف تُضحك قُراءك وتُعلمهم في نفس الوقت؟
اليوم 41
شيري جاكسون أم لأربع أطفال وزوجة لأستاذ جامعي، لذلك هي لا تملك الوقت الكافي للكتابة أثناء النهار، لكن حينما جلست في إحدى الليالي على مكتبها تدفقت منها الأفكار وكتبت في جلسة واحدة مسودة كاملة لقصتها الشهيرة ” اليانصيب”.
ألم تسأل نفسك لماذا؟ الإجابة ببساطة لأنها كانت تفكر في قصتها أثناء النهار. اعتمد على اللاوعي فهو يعول عليه كثيراً وذلك ببساطة لأنه يُنضج لك الأفكار التي تراودك أثناء النهار.
اليوم 42
أبطال الرواية تنمو وتتطور من خلال شيئين: أفعالهم ومعتقداتهم. ونحن أيضاً نفهم الناس من خلال ما يقومون به من أفعال وما يؤمنون به من أفكار.
اليوم 43
الشاعر الروماني هومراس أدرك منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد أن الكاتب يجب عليه أن يقول ما ينبغي قوله مرة واحدة” بمعني أن عليك أن تجذب القارئ من الجملة الأولى.
اليوم 44
لا تشعر بالملل، لا يمسك لغوب، وتذكر أن العديد من دور النشر رفضت أعمال للكاتب الكبير نجيب محفوظ في بداية حياته، وأن مجموعة نيران صديقة للكاتب علاء الأسواني رفضت عدة مرات أيضاً، ليس هذا فحسب فرواية “أيرنويد” الحاصلة على عدة جوائز عالمية والتي بيع منها ملايين النسخ رفضت من 13 دار نشر حتى أن أحد أصحاب دور النشر الكبيرة قال عنها ” لا أتوقع لهذه الرواية أن يباع منها نسخة واحدة”
اليوم 45
قدم أنتن تشيكوف نصيحة غالية لأي كاتب حينما قال:
إذا كانت هناك بندقية معلقة على الحائط في بداية المسرحية، فيجب عليها أن تطلق النار قبل نهايتها
يجب أن تنظر إلى عملك نظرة مجملة وتطبق عليه هذه النصيحة، قم ببتر أي شيء يعيق القصة من أن تكمل نفسها.
اليوم 46
توقع أنك ستدفع ثمناً غالي حينما تكتب الرواية، ثمناً نفسياً وبدنياً. فالحداد يعلم أن يده ستحرق عدة مرات قبل الشروع في الطرق على المطرقة، وعازف البيانو يعلم مسبقاً أن بعد انتهاء الحفل سيشعر بالألم في أنامله. كتابة الرواية ليست ككتابة خطاب غرام، كتابة الرواية هي عملية متعبة للعقل، فهي أصعب من تأدية 8 أعمال في وقت واحد لأنك حينما تكتب الرواية تعيش حياتك الطبيعية وحياة أبطالك الخيالية.
اليوم 47
في عام 1979، وفي عمر الثمانين، بدأت جيسي لي براون في كتابة قصة حياتها. كتبت قصة بسيطة عن الأيام الخوالي من عمرها الطويل، كتبت عن جدتها الطيبة وعن عمتها العدوانية ” كلارا” التي كانت تمضغ التبغ بشراهة والتي كانت دائماً ما تبصق على قطتها الصغيرة.
كانت في كل صباح تدخل إلى المطبخ في منزلها الصغير بولاية منهاتن والتي كانت تعيش فيه مع ثمانية أطفال. كانت تجلس على الطاولة وتكتب، استعانت ببعض الأطلال والتي كانت عبارة عن خطابات قديمة وصور وقصاصات أوراق بالية.
ويوم بعد يوم، وأسبوع تلو الأخر، انتهت جيسي من كتابة قصتها، ذكرت فيها مجموعة من الأحداث الهامة، تكلمت عمن ولد ومن توفى، كتبت عن الفيضان الكبير الذي طغى على مدينتها، كتبت عن خيالها، عواطفها، أفكارها وعن الأشياء المسكوت عنها في مجتمعها، وكتبت أيضاً عن أقوى حب في حياتها.
أرسلت جيسي قصتها إلى أستاذ جامعي يدعى تشارلي كيمباثرون الذي كان يشرف على برنامج يدعى “حصاد العمر” وهو برنامج تنموي لرعاية كبار السن. حينما قرأ تشارلي قصة جيسي طبعها ونشرها بمساعدة الكلية الوطنية تحت عنوان “حياة جيسي لي براون من الميلاد وحتى سن الثمانين”
لم يكن الغرض من نشر القصة الربح المادي، فقد كان عدد النسخ التي تم طباعتها ونشرها لا يتجاوز العشرين نسخة، وزعت على أقاربها وعلى بعض الطلبة المتفوقين في الكلية. لكن بعد مرور عشرين عاماً أصبح الأقرباء والغرباء من جميع أنحاء العالم يقرأ قصة حياة جيسي التي أعيد نشرها في كتاب مكون من 208 صفحة تحت عنوان ” حياة وزمان جيسي لي براون: ذكريات أمريكا في القرن العشرين” (دار ورنر بوكس، 1997).
بعد نجاح قصتها الأولى كتبت جيسي رسالة شكر إلى تشارلي جاء فيها:
شكراً لك سيدي لأنك لم تتخل عني، فأنا لست بكاتبة محترفة لكن تجاربي المتواضعة هي التي صنعت الاختلاف في حياتي
بعدها كتبت جيسي كتابين تم نشر أخرهم عام 1993.
وهنا عزيزي القارئ، أتسأل معك:
إن لم تكن جيسي لي براون كاتبة محترفة، فمن يكون إذاً؟
كل شخص فينا حياته عبارة عن كتاب، كتبت جيسي ما يخصها وباعته بمليون دولار، فماذا عن كتابك أنت؟
أين قصتك؟
نعم أنت!
أكتبها الآن ولن تخسر شيئاً، أعدك بذلك، لن تخسر شيئاً حتى وإن لم تنشرها، حتى وإن لم يباع منها نسخة واحدة، يكفي أنك تركت لمن يأتي من بعدك ميراثك الثمين من التجارب والذكريات. أكتب فأحفادك في انتظار صوتك القادم من الماضي السحيق.
دقات قلب المرء قائلة له … إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك قبل الموت ذكرها … فالذكر للإنسان عمر ثاني
أمير الشعراء: أحمد شوقي
اليوم 48
ليست فقط مهاراتك الكبيرة في الكتابة واستبطان معاني الكلمات هي التي تمكنك من كتابة الرواية، ليست فقط قدرتك الاستقرائية الفائقة هي التي ستجعلك روائياً ناجحاً، الذي سيجعلك روائياً يشار إليه بالبنان هو الإصرار. الإصرار هو العنصر الأول الذي يجب أن يتوفر فيك لتكون كاتباً ناجحاً. يقول الروائي هارلن إليسون:
إذا استطاعت أي شخصية من أن تمنعك من الكتابة، إذاً فأنت بلا شخصية!
فالشخص القوي هو الذي يفكر، ويقرر ثم ينطلق ولا يستطيع أحد في الكون من أن يكبح جماحه.
اليوم 49
الكاتب الموهوب جوان مابسون يقول:
على الكاتب أن تكون له هواية أو عمل بدني، لأن العمل البدني يعلم الكاتب أساليب جديدة ويحفزه على مواصلة الكتابة
اليوم 50
في إحدى محاضراته وقبل وفاته بأيام قليلة، قال الشاعر والروائي جيمس ديكي:
لا تبيع نفسك ككاتب رغم ما ستواجه من صعوبات، فالكثير من الناس لا يقدرون الكتاب، لا يدركون قيمتهم الحقيقة، لا يعرفون جدوى كلماتهم. نحن معشر الكتاب الفئة والحيدة التي تعرف أسرار الحياة الكبرى، وليس هم. تذكر هذا جيداً وأنت تكتب”
اليوم 51
لعلك سمعت من قبل في أحد البرامج التليفزيونية أو في مقال صحفي، أن الروائي يجب أن يكون من عائلة ارستقراطية أو على الأقل يجب أن يتوفر له نوع من الاستقرار الأسري، ولعلك سمعت أيضاً أن الكتابة نوعاً من أنواع الرفاهية الاجتماعية.
بالطبع العبارة السابقة خالية تماماً من الصحة، أو بعبارة أدق: هي تحريف للواقع، فمعظم الروائيين عاشوا حياة بائسة فقيرة، فمنهم أبناء العمال، ومنهم أبناء الطبقة المتوسطة والقليل منهم من الطبقات العليا في المجتمع.
لو بحثنا عن مثال بسيط على الأدباء الذين انحدروا من أسر فقيرة لوجدنا مئات، بل ألوف الأمثلة، منها نجيب محفوظ رائد الرواية العربية الذي لولا فقره ونشأته في أحياء شعبية لما تمكن من كتابة روائعه التي جعلته يقف في مصاف الكتاب العالميين بل ويتفوق على معظمهم، وكلنا وكل النقاد يعرفون أن نجيب محفوظ والارستقراطية كلمتان متضادتان لا تجتمعان أبداً بأي شكل من الأشكال، كذلك أيضاً العلاقة بينها وبين عبده خال والطيب صالح وحنا مينا وجورجي زيدان.
أما عن الرأي الذي يقول بضرورة توفر الاستقرار الأسري لينشأ الروائي الناجح، فنرد على هذا الرأي ونقول أي استقرار كان في حياة الأديب العالمي دين كونتاز الذي لم يشاهد والدته أبداً إلا وهي طريحة الفراش، وأبيه السكير المعتوه الذي حاول أكثر من مرة الانتحار، عدم الاستقرار كانت هي الصفة الوحيدة المستقرة في حياة هذا الأديب.
إذا كانت حياتك من هذا النوع أو ذاك أو كنت حتى أرستقراطياً فلا مانع من أن تكون روائياً ناجحاً، المهم أن تقرأ وتقرأ ثم تقرأ. يقول هيمنجواي:
على الكاتب أن يمر بمرحلة مريرة في حياته أو على الأقل يتخيل أنه مر بها
لنشر روايتك على أمازون كيندل وسماش ووردز، تفضل بالاطلاع على خدامتنا في هذا الشأن من هنا
<< الجزء السابق – الجزء التالي >>
المصادر:
تم الاستعانة في كتابة محتوى هذا المقال بالعديد من المصادر على رأسها كتاب: how to write a novel in 100 days لجون كوين، بالإضافة إلى العديد من المقالات الصحفية واللقاءة التليفزيونية المسجلة مع كبار الكتاب في الوطن العربي.