مارك داوسون: من غسيل الأطباق إلى أكثر الكتب مبيعاً على كيندل

هل كان مارك داوسون يعرف أن المطاف سينتهي به كواحد من مُعلمي النشر الذاتي الكبار؟

يمكنني القول بثقة: لا أعتقد أن هذا مرّ بذهنه أصلا؛ فما أغرب التحولات التي تلمس حياة الشخص بعصاها السحرية.

فذلك الرجل، المولود في المملكة المتحدة، جرب أعمال كثيرة ومختلفة؛ كدي جي، بائع آيس كريم، والعديد من المهن الأخرى، ثم عمل لمدة عشر سنوات كمحامي في مدينتي لندن وسوهو، حيث كان يُلاحق عمليات غسيل الأموال، ثم عمل لصالح المشاهير الذين يقاضون الصحف التي شهرّت بهم. وأخيراً حطّ رحاله في عالم الكتابة. وهنا بدأت قصته الحقيقية.

مسيرة مضطربة

قصة نجاح مارك داوسون في الكتابة

تبدأ مسيرة مارك داوسون عندما نشر كتابه الأول The Art of Falling Apartمع دار نشر تُدعي Pan Books، وكانت المبيعات مخيبة للآمال؛ لدرجة أنه أُحبط، ولك أن تتخيل أنه كان يذهب لمتجر الكتب، ويضع كتابه في الواجهة حتى يراه الناس.

كانت هذه التجربة قاسية جدا على داوسون؛ لدرجة جعلته يتراجع للخلف، ويترك حلم النشر. لكنه عاد بعد ذلك، لكن بشكل مختلف، عندما نصحه بعضهم بأن يقوم بالنشر على كيندل. هنا نفض مارك اليأس عن نفسه، وبدأ في نشر كتاب بعنوان The Black Mile، ماذا تتوقع ما حدث بعد ذلك؟

مفاجأة غير متوقعة

كان عدد المبيعات قليل جدا لا يتناسب مع جودة ما يقدمه مارك، والجهد الذي بذله. كانت الرواية من نوعية روايات الإثارة، وتدور أحداثها في غرب لندن (مارك يعيش في الريف الإنجليزي بالمناسبة). ماذا يفعل؟

هناك أداة ترويجية يعطيها أمازون للُكتَّاب، وهي أن يتيحوا كتابهم مجانا للقراء؛ فقام داوسون بإتاحة كتابه مجانًا، وذات يوم كان داوسون يقود دراجته في الريف الإنجليزي، ونزل عنها ليستريح تحت شجرة، ثم أخرج هاتفه المحمول، وتحقق من وجود إشارة، وأراد الدخول منصة كندل لكي يعرف كم شخصا قاموا بتحميل كتابه مجانا. لقد كانت هناك نتيجة مذهلة تنتظره: لقد تم تنزيل كتابه 50000 مرة!

أتخيل وجه داوسون في تلك اللحظة؛ الذهول والصدمة وعدم التصديق والفرحة. وكانت هذه نقطة تحول في حياة داوسون. كيف؟ سنرى.

نقطة التحول

تغيرت الأمور في ذهن مارك، صحيح أنه لم يكسب شيئا من هذه التحميلات المجانية، وأيضا لا يوجد لديه كتاب جديد لكي يطرحه للبيع، لكنه وضع خطة بناء على المعطيات الجديدة.

سلسلة جون ميلتون
سلسلة جون ميلتون

وهي أن يقوم بكتابة سلسلة عصرية تتحدث عن قاتل يُدعي جون ميلتون. الطريف أن هذه السلسلة يحتوي كل كتاب منها على 90 ألف كلمة تقريبًا، ومع هذا كان داوسون يكتب بسرعة؛ مستغلا القطار أثناء ذهابه إلى العمل في لندن، حيث يأخذ القطار فترة طويلة، وبالتالي فهو يقوم بفتح اللاب، ويبدأ في النقر على المفاتيح. وتكون الحصيلة اليومية جيدة. عندما نشر داوسون كتابه على كندل في يونيو 2013، وحتى شهر أبريل 2015 باع داوسون 300 ألف نسخة!

قد تمصمص شفتيك متحسراً وتقول: حظوظ!

أنت لم تعرف القصة كاملة حتى الآن يا صديقي. الأمر لم يكن بسيطا. تسألني باهتمام: كيف؟

دعني أخبرك.

خطأ شائع

هناك خطأ شائع بأن الكاتب كل ما عليه فعله هو الكتابة فقط، بينما تتولي دار النشر الدعاية والتسويق وهو غير صحيح بالكامل. صحيح أن دور النشر تقوم بالتسويق في الدول الغربية، لكن حفلات التوقع، وسفر المؤلف لأكثر من دولة هو جزء من عملية التسويق.

فما بالك لو قام الكاتب بالنشر ذاتيا؛ فهذا معناه أن يولي اهتمامه الكامل عملية التسويق، وإلا لن يسمع بكتابه إلا قلة، مهما كانت عبقرية كتابه. صحيح أن أراء القرّاء تساعد على انتشار الكتاب الجيد، لكن هذا سيجعل عملية الانتشار بطيئة نوعا، على حسب عدد القرّاء، وثناؤهم على الكتاب، بالإضافة أن الكاتب يربح من كتابه القليل جدا، ونحن لا نتحدث هنا عن القلة القليلة من المؤلفين التي تحقق ملايين الدولارات كل عام من كتبها، مثل ستيفن كنج وجيمس باترسون وجيه كيه رولينج.

ما يقدمه النشر الإلكتروني من مميزات، جعل داوسون يفكر كثيرًا، ومع التفكير بدأ يضع تركيزه وخطة عمله، وهذا ما نقله من خانة المؤلف إلى خانة رجل الأعمال.

من كاتب إلى رجل أعمال

عندما بلغ عدد التحميلات 50 ألف مرة على كندل عرف داوسون أن عليه أن يفهم عملية التسويق جيدا؛ كيف يمكن جذب القراء لكتابه، كيف يصنع حالة من الزخم والتدفق تساعد على دفع مبيعاته للأمام. كانت طرق التسويق لمارك تنقسم إلى عدة أقسام:

  • القسم الأول: الإعلانات المدفوعة على الفيسبوك، وداوسون يعتبر الفيسبوك أداة رائعة للتسويق.
  • القسم الثاني: التواصل مع القراء، والرد على التعليقات.
  • القسم الثالث: يعطي نصائح للكتاب الجدد لدرجة أنه قام بعمل عدة دورات في النشر الإلكتروني ساعدت بالفعل على نجاح كُتَّاب آخرين.
  • القسم الرابع: أيضًا له بودكاست مهم جدا، يشرح فيه أسرار التسويق الإلكتروني، وخبرته الهائلة في ذلك المجال.

وختاما…

فإن مارك داوسون قد حقق نجاحا مبهرا، وما زالت نجاحاته مستمرة إلى الآن، بعد أن باع ملايين النسخ، وباع حقوق بعض رواياته لكي يتم تحويلها لأفلام ومسلسل، وهو كاتب نشط يكتب سلاسل، وينغمس في عملية الإبداع بشكل يمزج بين موهبته ككاتب ورجل أعمال.

حقائق وأرقام عن مارك داوسون

  • كان القطار الذي يركبه مارك داوسون يأخذ 90 دقيقة تقريبا، وهو الوقت الذي أتاح له أن يكتب سلسلة جون ميلتون، والغريب أنه لم يكن يتصور أنه سيكسب المال الذي يجعله يترك وظيفته، ويتفرغ للكتابة، وخاصة بعد أن رفض الناشرون التقليديون رواياته.
  • يأخذ داوسون 70% من مبيعات كتبه على كندل وهذه ميزة من مميزات النشر الحر
  • يدين مارك لأمه بصفة الانضباط المالي، وهو صرف المال وتدوين مصروفاته، والموازنة بين هذا وذاك.
  • عام 2016 حقق مارك داوسون مليون جنيه إسترليني من مبيعات كتبه، والحقيقة أنه لم يتفاجأ بذلك؛ إذ أن مبيعات كتبه كانت تزيد كل عام بشكل مطرد.
  • يكتب داوسون وينشر كتابا جديدًا كل ثلاثة أشهر.
  • تغيرت حياة داوسون عام 2014 عندما بدأ يجني الأموال من كتبه، بالإضافة إلى عمله الأساسي، الذي تركه بعد ذلك.
  • يعتبر داوسون أن الفترة التي كان يذهب فيها بالقطار، تسعون دقيقة ذهابا، ومثلها إيابا: هي الأفضل من حيث قدرته على التركيز والكتابة دون مشتتات مثل الإنترنت، حيث كان يضع السماعة في أذنيه ويشرع في الكتابة.
  • يعتبر داوسون أن أكبر خطأ فعله هو عدم الاستثمار في البيتكوين عام 2017؛ إذ أن العديد من أصدقائه ربحوا الكثير من المال، لكنه يعزي هذا القرار أنه كان حذرا جدا.
  • يعتبر داوسون أن أفضل قراراته على الإطلاق هو النشر الذاتي؛ إذ أنه نشر كتابه الأول ورقيا، وسعي أن يكون الكتاب الثالث ورقيا أيضًا، ولم يهتم به أحد؛ مما جعله يتجه للنشر الذاتي.
  • بدءا من 2018 كان داوسون يعيش في منزل قيمته مليون جنيه إسترليني، ولديه سيارة بورش بقيمة 80 ألف جنيه إسترليني اشتراها للمتعة فقط، وأرباحه السنوية من كتبه مليون جنيه إسترليني.
شارك المحتوى

مقالات قد تهمك أيضاً:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *